د.سامي علي العموش
نجلس أمام التلفاز وقلوبنا مع الغزيين منتظرين أبواب نصر قادمة، وما تحقق للغزيين في بداية المعركة كان إنجاز يشار له بالبنان، فعلى صعيد العمليات فالدخول إلى 45 كيلومتر على مساحة غزة (13×40) يوحي بأن النصر قد تحقق وأن الرايات سترفع عالياً في غزة وفي وقت قياسي ومفاجئ، إلا أن هناك مجموعة من الحقائق لا بد من التعامل معها فالدعم الأمريكي والأوروبي المطلق لإسرائيل والوقوف إلى جانبها ومساندتها في موقعها لرفع المعنويات.
إن ما تحقق من إنجاز على أرض الواقع للمقاومة سجل لها العديد من النقاط سواء في الأسرى وهي نقطة قوة استراتيجية يمكن للمقاومة التعامل معها بفنية عالية للإفراج عن جميع الأسرى المتواجدين في سجون الاحتلال، ومن جهة أخرى رفع الحصار عن غزة، أما برأيي الشخصي أنها أعادت تسليط الضوء على القضية الفلسطينية وأن الحلول تبدأ منها وتنتهي بها، وأعطت درساً قوياً بأن هذا الإيمان المطلق بالقضية ومصداقية الرؤيا جعلت الأولويات واضحة لكل الأطراف، وإن ما تشهده الساحة الفلسطينية ومنطقة غزة الآن قد عملت على تعرية الشجرة وأصبحت القضية الفلسطينية تأخذ أولوية مطلقة في كل حديث.
وقادم الأيام يقول بأن التعامل مع هذا الملف سيكون مختلفاً بشكل نوعي للمراحل القادمة لأن الأساس في الموضوع هو قضية وجود وأن المعادلة الصفرية هي السائدة الآن ما بين الطرفين، وإسرائيل واهمة كل الوهم في اعتقادها بالقضاء على القضية الفلسطينية؛ بالتهجير والتنكيل والقتل، ولكن في الحقيقة هي أعادت الألق للقضية الفلسطينية بحيث تكون عنواناً رئيسياً.
وقد كنت مستمعاً جيداً لخطاب نصر الله ولم أجد فيه جديداً إلا استعراضاً ومدحاً وتبرئة لإيران بحيث إن أصل هذا الملف هو ملف فلسطيني ولم تكن هناك أي أصابع خفية عملت أو ساعدت في هذا الصراع، وبالتزامن مع ذلك جاء وزير الخارجية الأمريكي بلنكن إلى المنطقة مبتدأ زيارة لإسرائيل ثم يتبعها جولة في الدول العربية وجميعها لم تعطِ مؤشراً على وقف إطلاق النار أو النظر بالتوازنات الغير موجودة وإلى قضايا القتل والترهيب والهدم وفقدان الأمل في تزويد القطاع بالوقود لاستمرارية خدمة المستشفيات، كل هذه مؤشرات توحي بأن العدو مصر على الاستمرار في عدوانه رغم الأنفة التي تبديها المقاومة والتضحيات إلا أن ذلك يتطلب تدخلاً لتقديم الإسناد الطبي واللوجستي لاستمرارية الحياة.
إن غزة اليوم لن تكون غزة الغد؛ فهناك قضايا وأبواب فتحت كما أن هناك تساؤلات كثيرة لا بد لنا من الإجابة عليها، وأن الوضع الإقليمي والمحيط لن يستمر في الصمت فهناك قوى ضاغطة أرى أن لها لون وطعم مختلف